الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أراد: كُلَّ النفُّوس.والثاني: أنها صِلَة؛ والمعنى: يُصِبْكم الذي يَعِدُكم، حُكي عن الليث.والثالث: أنها على أصلها، ثم في ذلك قولان:أحدهما: أنه وعدهم النجاةَ إن آمنوا، والهلاكَ إن كفروا، فدخل ذِكْر البعض لأنهم على أحد الحالين.والثاني: أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، فصار هلاكُهم في الدنيا بعضَ الوَعْد، ذكرهما الماوردي.قال الزجاج: هذا باب من النظر يذهب فيه المُناظِر إلى إلزام الحُجَّة بأيسر ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكلِّ، ومثله قول الشاعر: وإنما ذكر البعض ليوجبَ الكلَّ، لأن البعض من الكلّ، ولكن القائل إذا قال: أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزَّلل، فقد أبان فَضْلَ المتأنِّي على المستعجِل بما لا يَقْدِر الخصم أن يدفعه، فكأنَّ المؤمن قال لهم: أَقَلْ ما يكون في صِدقه أن يُصيبَكم بعضُ الذي يَعِدُكم، وفي بعض ذلك هلاككم؛ قال: وأما بيت لبيد، فإنه أراد ببعض النفوس: نَفْسَه وحدها.قوله تعالى: {إنَّ الله لا يَهْدي} أي: لا يوفِّق للصَّواب {من هو مُسْرِفٌ} وفيه قولان:أحدهما: أنه المشرك، قاله قتادة.والثاني: أنه السَّفَّاك للدَّم، قاله مجاهد.قوله تعالى: {ظاهرِين في الأرض} أي: عالِين في أرض مصر {فمن يَنْصُرنا} أي: من يَمْنَعُنا {من بأس الله} أي: من عذابه؛ والمعنى: لا تتعرَّضوا للعذاب بالتكذيب وقَتْل النَّبيِّ، فقال فرعونُ عند ذلك: {ما أُرِيكم} من الرّأي والنّصيحة {إلاّ ما أَرى} لنفسي {وما أهْدِيكم} أي: أدعوكم إلاّ إلى طريق الهُدى في تكذيب موسى والإيمان بي، وهذا يَدُلُّ على أنه انقطع عن جواب المؤمِن.{وقال الذي آمن يا قومِ إِنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْمِ الأحزابِ} قال الزجّاج: أي مِثْلَ يَوْمِ حزب حزب؛ والمعنى: أخاف أن تُقيموا على كفركم فينزلَ بكم من العذاب مِثْلُ ما نزل بالأُمم المكذِّبة رسلهم.قوله تعالى: {يومَ التَّنادِ} قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {التَّنادِ} بغير ياءٍ.وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير، ويعقوب، وافقهم أبو جعفر في الوصل.وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، وأبو العالية والضحاك: {التَّنادِّ} بتشديد الدال.قال الزجاج: أمّا إثبات الياء فهو الأصل، وحذفها حسن جميل، لأن الكسرة تدُلُّ على الياء، وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدَّال، ومن قرأ بالتشديد، فهو من قولهم: نَدَّ فلان، ونَدَّ البعير: إِذا هرب على وجهه، ويدل على هذا قوله: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} وقوله: {يومَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أخيه} [عبس: 34] قال أبو علي: معنى الكلام إنِّي أخاف عليكم عذاب يوم التَّناد.قال الضحاك: إذا سمع الناسُ زفير جهنم وشهيقها نَدُّوا فِرارًا منها في الأرض، فلا يتوجَّهونُ قطرًا من أقطار الأرض إلا رأوْا ملائكة، فيرجعون من حيث جاؤوا.وقال غيره: يُؤمَر بهم إلى النار فيَفِرُّون ولا عاصم لهم.فأمّا قراءة التخفيف، فهي من النّداء، وفيها للمفسرين أربعة أقوال:أحدها: أنه عند نفخة الفزع ينادي الناسُ بعضهم بعضًا.روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يأمرُ اللهُ عز وجل إِسرافيلَ بالنَّفخة الأولى فيقول: انفُخْ نفخةَ الفزع، فيفزَعُ أهلُ السموات والأرض إِلاّ من شاء الله، فتُسيَّر الجبالُ، وتُرَجُّ الأرض وتَذْهَلُ المراضعُ، وتضع الحواملُ، ويولِّي الناس مُدْبِرين ينادي بعضهم بعضًا وهو قوله: {يوم التناد}».والثاني: أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضًا كما ذكر في [الأعراف: 4450]، وهذا قول قتادة.والثالث: أنه قولهم: يا حسرتنا يا ويلتنا قاله ابن جريج.والرابع: أنه ينادى فيه كلُّ أُناس بإمامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء.قوله تعالى: {يومَ تُوَلَّونَ مُدْبِرِينَ} فيه قولان:أحدهما: هربًا من النار.والثاني: أنه انصرافهم إلى النار.قوله تعالى: {مالكم مِنَ الله مِنْ عاصم} أي: من مانع.قوله تعالى: {ولقد جاءكم يوسف} وهو يوسف بن يعقوب، ويقال: إنه ليس به، وليس بشيء.قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ} أي: مِنْ قَبْلِ موسى {بالبيِّناتِ} وهي الدّلالات على التوحيد، كقوله: {أأربابٌ متفرِّقون خيرٌ} الآية [يوسف: 39]، وقال ابن السائب: البيِّنات: تعبير الرُّؤيا وشَقُّ القميص، وقيل: بل بعثه الله تعالى بعد موت ملِك مصر إلى القبط.قوله تعالى: {فما زِلتم في شَكّ ممّا جاءكم به} أي: من عبادة الله وحده {حتى إذا هَلَكَ} أي: مات {قُلْتُم لن يَبعث اللهُ مِنْ بعده رسولًا} أي: إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدِّد إِيجابَ الحجة عليكم {كذلك} أي: مِثْل هذا الضَّلال {يُضِلُّ اللهُ مَنْ هو مُسْرِفٌ} أي: مُشْرِكٌ {مُرتابٌ} أي: شاكٌّ في التوحيد وصِدق الرُّسل.قوله تعالى: {الذين يجادِلونَ} قال الزجاج: هذا تفسير المسرف المرتاب، والمعنى: هُمْ الذين يجادِلونَ في آيات الله.قال المفسرون: يجادِلونَ في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان، أي: بغير حُجَّة أتتهم من الله.{كَبُرَ مَقْتًا} أي: كَبُرَ جدالُهم مَقْتًا عند الله وعند الذين آمنوا، والمعنى: يَمْقُتهم الله ويَمْقُتهم المؤمنون بذلك الجدال.{كذلك} أي: كما طَبَع اللهُ على قلوبهم حتى كذَّبوا وجادلوا بالباطل، يَطْبع {على كلِّ قلبِ متكبِّرٍ} عن عبادة الله وتوحيده.وقد سبق بيان معنى الجبّار في [هود: 59].وقرأ أبو عمرو: {على كلِّ قلبٍ} بالتنوين، وغيرُه من القرّاء السبعة يُضيفه.وقال أبو علي: المعنى: يطبع على جملة القلب من المتكبِّر.واختار قراءة الإِضافة الزجاج: قال: لأن المتكبِّر هو الإِنسان، لا القلب.فإن قيل: لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدَّم القلبُ على الكُلِّ؟.فالجواب: أن هذا جائز عند العرب، قال الفراء: تقدُّم هذا وتأخُّره واحد، سمعتُ بعض العرب يقول: هو يرجِل شعره يومَ كل جمعة، يريد: كلَّ يوم جمعة، والمعنى واحد.وقد قرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: {على قلبِ كلِّ متكبِّر} بتقديم القلب.قال المفسرون: فلمّا وعظ المؤمنُ فرعونَ وزجره عن قتل موسى، قال فرعونُ لوزيره: {يا هامانُ ابنِ لي صَرْحًا} وقد ذكرناه في [القصص: 38].قوله تعالى: {لعلِّي أبلُغ الأسبابَ أسبابَ السموات} قال ابن عباس.وقتادة: يعني أبوابها.وقال أبو صالح: طرقها.وقال غيره: المعنى: لعلِّي أبلُغُ الطُّرق من سماءٍ الى سماءٍ.وقال الزجاج لعلِّي أبلُغ ما يؤدِّيني إلى السموات.وما بعد هذا مفسَّر في [القصص: 38] إلى قوله: {وكذلك} أي: ومِثْلُ ما وصفْنا {زُيِّنَ لفرعونَ سُوءُ عمله وَصُدَّ} عن سبيل الهدى قرأ عاصم، وحمزة والكسائي: {وصُدَّ} بضم الصاد، والباقون بفتحها، {وما كَيْدُ فرعونَ} في إبطال آيات موسى {إلاَّ في تبابٍ} أي: في بطلان وخسران.ثم عاد الكلامُ إلى نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: {اتَّبِعونِ أهْدِكم سبيل الرَّشادِ} أي: طريق الهدى، {يا قومِ إِنما هذه الحياةُ الدُّنيا متاعٌ} يعني الحياة في هذه الدار متاع يُتمتَّع بها أيامًا ثم تنقطع {وإنَّ الآخرة هي دار القرار} التي لازوال لها.{من عَمِلَ سيِّئةً} فيها قولان:أحدهما: أنها الشِّرك، ومثلها جهنم، قاله الأكثرون.والثاني: المعاصي، ومثلُها: العقوبةُ بمقدارها، قاله أبو سليمان الدمشقي.فعلى الأول، العمل الصالح: التوحيد، وعلى الثاني، هو علىٍ الإطلاق.قوله تعالى: {فأولئك يدخُلون الجنة} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {يُدخَلونَ} بضم الياء.وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالفتح، وعن عاصم كالقراءتين.وفي قوله: {بغير حساب} قولان:أحدهما: أنهم لا تَبِعَةَ عليهم فيما يُعْطَون في الجنة، قاله مقاتل.والثاني: أنه يُصَبُّ عليهم الرِّزق صَبًّا بغير تقتير، قاله أبو سليمان الدمشقي. اهـ.
|